بغداد 2 ديسمبر/ يقول مثل عراقى عند تكرار الاحداث السيئة انها "زادت الطين بلة" وهذا هو الأثر الذى تركته الحرب الأخيرة فقد أدت الى زيادة المشاكل التى يعانى منها المجتمع العراقى بعد حرب الخليج الأولى مع أيران / 1980 - 1988 / وحرب غزو الكويت وتحريرها / 1991 / والحصار الشامل الذى فرضته الأمم المتحدة على العراق لمدة 13 عاما.
ويجمع العراقيون على أن العائلة العراقية تعيش الآن فى اسوأ حالاتها كما يقول رب احدى هذه العوائل فياض موسى صاحب محل بقالة فى بغداد ووكيل لتوزيع مواد الحصة التموينية على المواطنين.
يرى موسى أن اسوأ السيئات الوضع الأمنى المتدهور ويقول إن الكثيرين من المواطنين الذين كانوا مضطهدين فى عهد صدام حسين يتمنون الأن لو أنه لم يسقط لانهم كانوا يعيشون فى وضع أمنى مستقر. ويروى الرجل البالغ من العمر75 عاما أن طفلا لاحد جيرانه قد أختطف ضمن سلسلة من عمليات الاختطاف يعيشها العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكى للعراق.
ويطالب المختطفون بفدية كبيرة قد تضطر الأب الى بيع داره وسيارته واثاثه ليسترد طفله المخطوف. يضيف ابنه عامر وله 4 أولاد ان اختطاف الأطفال أدى الى تردد العوائل فى ارسال أولادهم الى المدارس. والآن بعد شهرين من الموعد المقرر لبدء الدوام فى المدارس فان الدوام فيها غير كامل. وادى التدهور الأمنى بعد الحرب الى ظواهر مفجعة غير اختطاف الأطفال كما يؤكد السيد موسى "المعامل متوقفة والمؤسسات مغلقة ومراكز الشرطة والمحاكم ظلت مغلقة ولايجد المواطن جهة يشكو اليها مما قد يصيبه من عمليات اعتداء أو سرقة أو اختطاف تقوم بها عصابات نشأت بعد الحرب".
ويلقى السيد موسى باللوم على قوات الاحتلال لأنها لم تملأ الفراغ الأمنى الذى نشأ بعد الحرب و" زادت الطين بلة " بحل الجيش والشرطة والأمن اضافة الى مؤسسات أخرى، وأصبح اللصوص والسراق يعيثون فسادا فى البلاد من اقصاها الى اقصاها.
كان عامر ابن السيد فياض موسى من رجال الشرطة وهو بعثى، وهو الان عاطل بدون عمل ولديه زوجة وأربعة أولاد . يقول " الأمريكيون يريدون هذه الفوضى ولو أبقوا الجيش والشرطة لما حدث هذا الفراغ الأمنى." لقد افتتح عامر محلا للبقالة وعندما نسأله عن ارتفاع اسعار البضاعة التى يبيعها يقول انه الغلاء الذى شمل كل شىء. ويضرب مثلا على ذلك قنينة الغاز التى تستخدم للطبخ كان سعرها فى السابق 500 دينار وأصبح الأن سعرها مع بدء موسم الشتاء 6 الاف دينار أى بسعر يساوى 12 ضعفا. وسعر لتر البنزين للسيارات كان20 دينارا وأصبح الأن يباع باسعار تتراوح بين 200 الى 400 دينار للتر واحد فى بلد يعد اغنى بلدان العالم بانتاجه النفطى.
واضافة الى الغلاء فان الخدمات الاساسية تدهورت مثل الكهرباء. وقد عانى العراقيون كثيرا خلال الصيف الماضى من انقطاع الكهرباء الذى وصل فى بعض الاحيان الى20 ساعة فى اليوم. وقد بدأ الان بالتحسن مع انتهاء فصل الصيف.
وفى مناطق متعددة من العاصمة بغداد يشكو المواطنون من انقطاع ماء الشرب بسبب ما أصاب مؤسسات تكرير وتصفية المياه من اضرار بسبب الحرب. ويقول موسى ان المشكلة ليست فقط فى نقص مياه الشرب وانما فى نوعية المياه غير الصالحة للاستهلاك البشرى مما أدى الى العديد من الامراض وخاصة لدى الاطفال.
ويشرب الناس المقتدرون ماليا الماء من قنانى ماء مستوردة أو محلية باسعار مرتفعة وصلت الى750 دينارا للقنينة الواحدة لكن عائلة فياض موسى لا تستطيع شراء مياه الشرب. والمشكلة الأخرى التى تعانى منها عائلة موسى مثل الكثير من العوائل هى البطالة التى ارتفعت بعد الحرب الى نسبة مذهلة وصلت الى80 فى المائة من السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة حسب الارقام المنشورة فى الصحف المحلية لكن الامم المتحدة تقول فى تقرير اعدته بالتعاون مع البنك الدولى ان النسبة فى حدود50 فى المائة.
لقد توقف العمل فى المؤسسات والشركات والكثير من المحلات الخاصة بسبب التدهور الأمنى وعمليات السلب والسرقة وبعد قرار الحاكم المدنى الامريكى بول بريمر بحل الجيش أصبح 400 الف جندى عراقى من العاطلين وهم الان يبحثون عن أى عمل يعيشون من ورائه. يقول ظافر أحد ابناء السيد موسى وهو عامل تأسيسات كهربائى يعمل لحسابه الخاص " الوضع الأن اسوأ مما كان عليه فى عهد صدام "، مضيفا " لا أحد يريد عودة صدام لكننا على الاقل كنا نجد عملا فى عهده ".
ويعبر السيد موسى عن حيرة العراقيين وهم يرون الجنود الأمريكيين يحتلون بلدهم وما اذا كان عليهم مقاومة الاحتلال لطرد القوات الأمريكية. يقول موسى " اذا افترضنا ان القوات الأمريكية انسحبت من العراق الان تحت ضغط المقاومة فان المستقبل سيكون اسوأ عندما تندلع الفتنة بين ابناء الشعب الذى يتكون من قوميات وطوائف دينية واحزاب متعددة ". لكن الاخطر كما يقول هو قيام حرب اهلية بين الطائفتين المسلمتين الشيعة والسنة. ومع ان السيد موسى من الطائفة السنية لكنه يتمنى الا تحدث الفرقة بين ابناء الشعب. يردد السيد موسى بغضب كيف سيكون وضع العوائل العراقية التى حدثت فيها زيجات بين قوميات وطوائف مختلفة. ويضرب مثلا على ذلك ان "عددا من الرجال السنة فى المنطقة التى يسكنها كانوا قد تزوجوا من نساء شيعيات والعكس حدث ايضا. وهناك عرب تزوجوا من نساء كرديات . ان الاحتلال الأمريكى للعراق اثار قضية الطائفية ولا ندرى ما الذى سيحدث فى المستقبل".
لكن اولاد السيد موسى يرون انه الى جانب السلبيات العديدة فى الاوضاع الناجمة عن الحرب الأخيرة فان هناك شعورا بالحرية. وقال ثامر " لقد زال الحكم الدكتاتورى والان أصبحت لدينا صحف واحزاب ونستطيع السفر بدون رسوم باهظة كما كان فى السابق". واشار السيد موسى الى ان " المشكلة كما يقول ثامر هى فهم البعض للحرية. فالبعض يراها الفوضى وسرقة ممتلكات الدولة وعمليات القتل وهذا هو ما نعانيه الان ". (شينخوا)